دل الكتاب والسنة على أصناف الملائكة، وأنها موكلة بأصناف المخلوقات، وأنه سبحانه وكل بالجبال ملائكة، ووكل بالسحاب والمطر ملائكة، ووكل بالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها، ثم وكل بالعبد ملائكة لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته، ووكل بالموت ملائكة، ووكل بالسؤال في القبر ملائكة، ووكل بالأفلاك ملائكة يحركونها، ووكل بالشمس والقمر ملائكة، ووكل بالنار وإيقادها وتعذيب أهلها، ووكل بالجنة وعمارتها وغرسها ملائكة. فالملائكة أعظم جنود الله.
رُؤساءُ الأَمْلاكِ:-
ورؤساؤُهُم الأَملاكُ الثُّلاثَة:
جِبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ، الموكَّلونَ بالحياة، فجبريلُ مُوكَّلٌ بالوحي الذي بهِ حياةُ القلوبِ والأرواحِ، وميكائيل مُوكَّلٌ بالقَطْرِ الذي بهِ حياةُ الأَرْضِ والنَّباتِ والحيوانِ، وإسرافيلُ مُوَكَّلٌ بالنَّفخِ في الصُّورِ الذي بهِ حياةُ الخَلْقِ بعدَ مماتِهم .
أ- جبريل عليه السلام:-
قال الله تعالى في بيان صفات جبريل عليه السلام: "إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ" .حيث مدحه بسبع صفات:-
1 - فهو رسول: فهذا اصطفاء من الله له بهذه المهمة من بين الملائكة.
2 - وهو كريم: وفي ذلك تشريف عظيم له في تزكيته عليه السلام.
3 - وهو ذو قوة: فهو بقوته يمنع الشياطين من أن تدنو من القرآن الكريم أو تنال منه شيئاً.
4 - وهو عند ذي العرش: فله شرف العندية العظمى والرتبة الزلفى.
5 - وهو مكين: ذو مكانة عالية ورتبة سامية.
6 - وهو مطاع: في الملأ الأعلى فيما بين الملائكة المقربين عليهم السلام وهذا يدل على رياسته.
7 - وهو أمين: فهو أمين وحي الله تعالى، وموصله بأمانة وصدق إلى أنبيائه ورسله عليهم السلام من
غير تغيير ولا تحريف، وقال الله تعالى: "وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ"
وقال تعالى: "قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" وصفه الله بأنه روح لأن الروح سبب في الحياة، فهو الروح الأمين لأنه أمين على الوحي الذي فيه الحياة، وهو الروح القدس وصف بذلك لأن روحه تمثل الطهرَ، فهو ينزل بالتقديس من الله تعالى لأنه يطهِّر النفوس ويُقدس العقول والقلوب.
خلقة جبريل التي خلقه الله تعالى عليها:-
إن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلقته التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب وقد رآه على هذه الصورة مرتين، فالأولى كانت في بطحاء مكة رآه منهبطاً من السماء إلى الأرض، وعن عائشة رضي الله عنها: "رأى جبريل في صورته التي خلق عليها مرتين، فرآه منهبطاً من السماء إلى الأرض سادّاً عِظَمُ خلقه ما بين السماء والأرض" .
والثانية كانت عند سِدْرة المنتهى ليلة المعراج، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح" ، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: "فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء ، قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فخشيت منه حتى هويت إلى الأرض فجئت إلى أهلي، فقلت: زملوني زملوني، فدثروني، فأنزل الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ " ، وقال الله تعالى: "ولقد رآه نزلةً أخرى*عند سدرة المنتهى "
والمعنى: أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى جبريل عليه السلام مرة أخرى عند المكان الذي تنتهي إليه علوم الخلائق.
وظائف جبريل عليه السلام:-
إن لجبريل عليه السلام وظائف مهمَّة عظيمة يقوم بها من ذلك:
1- تنزيل الشرائع الربانية:
قال الله تعالى: "وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ"
2- تأييد الله تعالى رسله عليهم السلام بجبريل عليه السلام:
قال الله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4].
فإن الله يخاطب زوجتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة رضي الله عنهما ويحثهما على التوبة لأنهما تعاونتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يسوءه من إفراط الغيرة وإفشاء سِرِّه، فان تعاونهما لن يضرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله ناصره ومتولي أمره كله وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة كلهم أعوانُ مظاهرون ومؤيدون لهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253].
فقد أيد اللهُ المسيحَ عيسى ابن مريم عليه السلام بروح القدس وهو جبريل عليه السلام منذ صباه إلى حال كبره، وبهذا التأييد حفظه الله من أعدائه اليهود.
3 - تأييد الله تعالى أنصار رسل الله ومؤيديهم بجبريل عليه السلام:-
فقد ثبت أن حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهجو المشركين وينافح ويدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره وكان جبريل عليه السلام يؤيده.
عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال لحسان بن ثابت: "اهجهم - أي المشركين - وجبريل معك". متفق عليه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس مع حسان مادام ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود.
4 - وهو أحد وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم:-
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكال، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر". رواه الترمذي بإسناد صحيح.
5 - تحبيب الله تعالى جبريل عليه السلام بأحبابه الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتبغيضه سبحانه
لجبريل عليه السلام في أعدائه الذين يبغضهم الله رب العالمين :
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا} [مريم: 96].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحبَّ الله عبداً نادى جبريل: إني قد أحببت فلاناً فأحبَّه، فينادي في السماء ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا} [مريم: 96]. وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل إني قد أبغضت فلاناً فينادي في أهل السماء، ثم تنزل له البغضاء في الأرض". متفق عليه.
ب- ميكائيل عليه السلام:-
ميكائيل عليه السلام هو أحد أكابر الملائكة عليه السلام، ولمكائيل وظائف متعددة منها:
1 - موكل بأرزاق العباد:-
ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جملة من حديث طويل: "قلت: يا جبريل على أيّ شيء أنت؟ قال: على الرياح والجنود. قلت: على أي شيء ميكائيل؟ فقال: على النبات والقطر" .
2 - وهو أحد وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم:-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر" . ومن أجل هذا المنصب الوزاري نزل جبريل وميكائيل عليهما السلام يوم أحد يقاتلان إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثبت عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنَّه قال: 3748 عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ " هما جبريل وميكائيل عليهما السلام.
جـ- إسرافيل عليه السلام:-
وهو من جملة أكابر الملائكة عليهم السلام، فهو صاحب الصور الذي ينفخ فيه بأمر الله النفخة الأولى فيهلك من في السماوات إلا من شاء الله أن يستثنيهم من الموت بهذه النفخة، ثم ينفخ فيه النفخة الثانية للبعث إلى الحياة بعد الموت.
قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إسرافيل صاحب الصور، وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، وهو بينهما"
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم، وقد التقم صاحب القَرْنِ القرنَ، وحنا جبهته ينتظر أن يؤمر فينفخ ؟!".
د- ملك الموت:-
قال الإمام الطحاوي رحمه الله: "ونُؤمِنُ بملَكِ الموتِ، الموَكَّلِ بقبضِ أَرواحِ العالَمينَ".
قال تعالى: ]قُل يتوَفَّاكُم مَّلَكُ الموتِ الذي وُكِّلَ بِكُم ثمَّ إِلى رَبِّكم تُرجَعونَ" . ولا تُعارِضُ هذه الآيةُ قَولَه تعالى: ]حَتَّى إذا جَاءَ أحَدَكُمُ الـمَوتُ تَوَفَّتهُ رُسُلُنا وهم لا يُفَرِّطون[ الأنعام: 61. وقوله تعالى: ]اللـهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوتِها والتي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها فيُمسِكُ التي قَضَى عَلَيها الموتَ ويُرسِلُ الأخرى إِلى أجلٍ مُسَمَّى[ الزمر: 42. لأنَّ ملَكَ الموتِ يتولَّى قبضها واستخراجها ، ثمَّ يأخذها منه ملائكةُ الرَّحمةِ، أو ملائكةُ العذاب، ويتولَّونَها بَعدهُ، كُلُّ ذلك بإذن اللـه وقضائه وقَدَرهِ وحكمهِ، فصحَّتْ إضافةُ التوفِّي إِلى كُلٍّ بحسبهِ.
هـ- الملائكة الموكلون بقبض الأرواح:-
قال الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ } [الأنعام: 61].
يخبر الله سبحانه وتعالى أنه وكَّل ملائكة للتوفية ولقبض الأرواح، ورئيسهم ملك الموت، فملائكة التوفية تنزع أرواح الكافرين بعنف وشدة قال الله تعالى: "وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ"
وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93].
وأما المؤمنون فملائكة التوفية تتلقاهم بالسلام والترحيب والبشارة بالجنة. قال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32].
و- حملة العرش:-
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِي السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر: 7- 8-9].
وقال تعالى: {وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 16-17].
-عظمة حملة العرش:-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أُذِن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام". رواه أبو داود.
-وظائفهم: يخبر الله تعالى في الآيات المتقدمة عن حملة عرشه ومن حوله أنهم ملازمون لتسبيحه وتحميده سبحانه دائبون على عبادته والاستغفار للمؤمنين.
ز- خزنة الجنة:-
قال الله تعالى: "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ" .
فخزنة الجنة وُكِّلوا على أبواب الجنة يستقبلون المؤمنين حين دخولهم ويرحبون بقدومهم ويكرمونهم بالتحيات والاحترامات.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: مَن؟ فأقول: محمد. فيقول: - أي الخازن - بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك". رواه مسلم.
ح- خزنة النار:-
قال الله تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 71-72].
يخبر الله سبحانه وتعالى عن حال الكافرين أنهم يساقون إلى جهنم جماعات متفرقة متتابعة، وحين وصولهم إلى نار جهنم يفاجؤون بفتح أبوابها ومنظرها الفظيع فيبغتون وتكون الحجة عليهم بأن رسل الله قد أرسلت إليكم وأنذرتكم من عذاب الله فلم تستجيبوا، فعقاب مَن كفر وأعرض عن ذلك أن يدخل أبواب جهنم مهاناً وله عذاب السعير.
وفي ذلك قال تعالى:" وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ "
صفات خزنة النار:- هم غلاظ الأقوال شداد الأفعال كما أنهم غلاظ الخُلُق شداد الخَلق، قال الله تعالى:
"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" ويقال لخزنة النار : "الزبانية" سميت ملائكة العذاب بذلك لدفعهم الشديد لأهل النار.
قال الله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ " .
نزلت هذه الآيات في أبي جهل حين توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمَّ بإيذائه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام فمرَّ به أبو جهل، فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره، فقال أبو جهل: يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً! فأنزل الله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}. قال ابن عباس لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته. رواه الترمذي وصححه.
وقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر"َ
فالله سبحانه يخبر عن خزنة النار أنهم ملائكة أقوياء أشداد لا يقاومون ولا يغالبون وأن عليها تسعة عشرمن الملائكة الموكلين على جهنم، وإليهم مرجع زبانيتها وسائر خزنتها.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها". رواه مسلم والترمذي.
واسم رئيس خزنة النار "مالك".
قال الله تعالى -حكاية لما يقولوه أهل النار وهم مقيمون في العذاب-: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديثه عن الإسراء واجتماعه بالأنبياء عليهم السلام: "فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلِّم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام". رواه مسلم.
ط- الملائكة الموكلون بتصوير النطفة وتطويرها ونفخ الأرواح في الأجنة:
عن عامر بن واثلة قال سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وُعِظ بغيره، فأتى عامر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له حذيفه بن أسيد الغفاري فحدثه بقول ابن مسعود رضي الله عنه فقال: وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مرَّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصوَّرها وخلق سمعها وبصرها وجلدها وعظمها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب! أجله؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب! رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ذلك شيئاً ولا ينقص" رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثمَّ يكون علقة ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد. فوالله الذي لا إله إلا غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" رواه البخاري ومسلم.
ي- الملائكة الموكلون بمراقبة أعمال المكلفين وحفظهم وكتابة أقوالهم وأفعالهم ونياتهم:-
قال الإمام الطحاوي رحمه الله: ونُؤْمِنُ بالكِرَامِ الكاتِبينَ، فإنَّ اللـهَ قَدْ جَعَلَهُمْ عَلَينا حافِظِينَ .
قال الله تعالى: "أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ"
والمعنى: أن الله تعالى يسمع سرهم ويسمع ما يسرون فيما بينهم وأن ملائكة الله الموكلين بمراقبتهم هم معهم وعلى قرب منهم يكتبون كل قول يصدر منهم، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 16-18]. فهذه الآية الكريمة تثبت أن الله جعل لكل إنسان متلقيين من الملائكة يستقبلان ويتلقيان كل أقواله وأفعاله الحسنة والسيئة تلقي معرفة وحفظ وتسجيل، أمَّا أحدهما فعن اليمين وأما الآخر: فعن الشمال، وكل منهما قَعيد: ملازم لا يفارق الإنسان بحال من الأحوال لمراقبة أعماله وأقواله بمنتهى الدقة وكل منهما عتيد: أعده الله لهذه المهمة فهو حاضر للقيام بها كما أمره الله.
قال الله تعالى: {كَلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [ الانفطار: 9-12]. والمعنى أن الله قد وكل ملائكة حافظين بمراقبة أعمال الناس عندهم كمال القدرة على حفظ جميع الأقوال والأفعال فلا يغيرون ولا يبدلون شيئاً مما يقوله الناس أو يفعلونه فهم يحفظون جميع ما يصدر عن الناس ويسجلون ذلك بصدق وأمانة، وهم مدركون ما يفعله الناس من الأعمال، ويقصدون من الأفعال، فهم يعلمون الطاعات ويعلمون المعاصي ظواهر الأعمال كما يعلمون خفاياها ودقائقها ومقاصدها، وفي الصحيح، عن النبيِّ صلى الله عله وسلَّم أنه قال: "يَتعاقَبونَ فيكُم ملائِكَةٌ باللَّيلِ وملائِكَةٌ بالنَّهارِ، ويَجْتمعونَ في صلاةِ الصُّبْحِ وصَلاةِ العَصْرِ، فَيَصْعَدُ إليه الذين كانوا فيكم، فيَسْأَلُهم -وهو أَعْلَمُ بهم-: كَيفَ تَركتُم عِبادِي؟ فيقولون: أَتينَاهُم وهُم يُصَلُّونَ، وفارَقناهم وهم يُصَلُّونَ" متفق عليه.
فإذا كان يوم القيامة أخرجوا تلك الكتب المسجلة ونشروها لصاحبها، ويقال له هذا الكتاب كنا في الدنيا نكتبه عليك وتستنسخ فيه ما كنت تعمل فاقرأ كتابك قال الله تعالى:
{وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } [الإسراء: 13-14]. وقال تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير: 10].
وقال تعالى: { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 27 -29].
ك- إطلاع الملائكة الكاتبين على قلب الإنسان.
ثَبَتَ أَنَّ الملائِكَةَ تَكْتُبُ القَولَ والفعلَ، وكذلك النيةَ، لأنَّها فِعْلُ القلْبِ، فدخلت في عمومِ: ]يَعْلَمونَ ما تفعَلُونَ[ الانفطار: 12. ويَشهدُ لذلك قوله تعالى: إذا هَمَّ عبدي بسيئَةٍ، فلا تكتبوها عليه، فإنْ عَمِلَها فاكتُبوها عليه سَيِّئَةً، وإذا هَمَّ عبدي بحسَنَةٍ فلَم يَعْمَلْها، فاكتُبوها لَه حَسَنَةً، فإنْ عَمِلَها فاكتبوها عَشْراً" . وقال e: "قالتِ الملائكَةُ: ذلكَ عَبدُكَ يُريدُ أن يَعْمَلَ سَيِّئةً -وهو أبصرُ به- فقال: ارقُبُوهُ، فإنْ عَمِلَها فاكتبوها بِمثْلِها، وإنْ تَرَكَها، فاكتُبوها لَهُ حَسنَةً، إنَّما ترَكها مِنْ جَرَّاي"
فهذا يدل على أن الملائكة الكاتبين تطلع على ما في قلوب الناس - بإذن الله - من الهم والإرادات وما هنالك من أعمال القلوب.
أما فيما يتعلق بحفظ الملائكة للإنسان فقد قال تعالى:"وإنَّ عَلَيْكُم لَحَافظينَ" . وقال تعالى: "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِن بين يَدَيْه ومِن خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِن أَمْرِ اللـه" .
وقال: "ما مِنكُم مِنْ أَحَدٍ إلاَّ وَقَدْ وكِّلَ به قرينُهُ مِنَ الجِنِّ، وقَرينُهُ مِنَ الملائِكَةِ"، قالُوا: وإيَّاكَ يارسولَ اللـهِ؟ قال: " وإيَّايَ، ولكن أعانَني اللـهُ عليه، فَأَسْلَمَ، فَلا يَأمُرُني إلاَّ بِخَيْرٍ"
جاء في التفسير: اثنانِ عَنِ اليمينِ وعَنِ الشِّمَالِ، يكتبانِ الأعمالَ، صاحِبُ اليمين يكتبُ الحسناتِ، وصاحِبُ الشِّمالِ يكتب السيئات، ومَلكَانِ آخرانِ يَحفَظَانِه ويَحْرُسَانِه، واحِدٌ مِنْ ورائِه، وواحدٌ أمَامَهُ، فهو بينَ أربَعةِ أملاكٍ بالنهار، وأربعةٍ آخرين بالليلِ بَدَلاً، حافِظانِ وكاتبانِ
وقال عكرمة، عن ابن عباس: "يَحفظونَهُ مِنْ أَمرِ اللـه"، قال: ملائكةٌ يحفظونه مِن بين يديه ومن خَلفهِ، فإذا جاءَ قَدَرُ اللـهِ، خَلُّوا عنه، ومعنى: "يَحفظونَهُ مِنْ أَمرِ اللـه"، قيل: حِفْظُهُم له مِنْ أَمرِ اللـهِ، أي: اللـهُ أَمرهم بذلك، يَشْهَدُ لذلك قراءة مَن قرأ: يحفظونه بأمرِ اللـه.
ل- الملائكة الموكلون بأمور أخرى في هذا العالم:-
ا- الملائكة الموكلون بعذاب القبر وسؤاله:
إن الله وكل ملكين بعذاب القبر وسؤاله، واسم الملكين: الأول: منكر، والآخر نكير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وُضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا: أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فأمَّا المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك في النار، قد أبدلك به مقعداً من الجنة فيراهما جميعاً. وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دَريْت ولا تليت ، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين" .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما - المنكر وللآخر النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، ثم ينوَّر له فيه، ثم يقال له: نم. فيقول: ارجع إلى أهلي فأخبرهم! فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحبُّ أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقاً قال: سمعت الناس يقولون قولاً، فقلت مثله، لا أدري فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله تعالى من مضجعه ذلك". رواه الترمذي وقال: حديث غريب وابن حبان في صحيحه.
الملائِكَـةُ عِبَادُ اللـهِ وَجُندهُ يَفعلُونَ ما يُؤمَرونَ-
الملَك رسولٌ مُنَفِّذٌ لأَمرِ مُرسِلِه، فليسَ لهم من الأمر شيءٌ، بل الأمـرُ كُلُّـهُ للهِ الواحـدِ القَهَّار، وهم يُنفِّذونَ أَمرَه: ]لا يسبِقُونَهُ بالقَوْلِ وهم بأمرِهِ يعمَلُون. يَعْلَمُ ما بينَ أَيْديِهمِ وما خَلْفَهُم ولا يشفعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارتضى وَهُمْ من خَشيَتِهِ مُشفِقُونَ[ الأنبياء: 27-28. ]يَخافونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهم ويَفعلونَ ما يُؤمَرُونَ[ النحل: 50. ]لا يستكبرونَ عن عِبادَتِهِ ولا يَستَحسِرُونَ. يُسَبِّحونَ اللـيلَ والنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ[ الأنبياء: 19-20. ، قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى في وصفِهم: "لا يعصُونَ اللهَ ما أمرَهُم ويفعلونَ ما يُؤمَرون"، فهُمْ صفوةٌ شريفةٌ لا يختارونَ إلا الطاعةَ لخالِقِهم ليس فيهم مَيْلٌ إلى معصيةٍ لا بالقولِ ولا بالفِعلِ، لأنهُ سبحانَهُ وتعالى جَبَلهُم على طاعَتِه، ولذلك وَجَبَتْ لهُمُ العِصمةُ من المعاصي فلا يوجدُ فيهم كافرٌ ولا عاصٍ. وأما ما يُروى كذِبًا عنِ الملكينِ هاروتَ وماروت عليهِما السلامُ أنَّهما نزلا إلى الأرضِ فرأَيا امرأةً جميلةً يقالُ لها "الزهرة" فَفُتِنا بِها وزَنَيا بِها، فهذا محضُ كذبٍ لا أصلَ لهُ ولا يليقُ بِهِما، لأنَّ الملائكةَ معصومونَ عن ذلكَ، قالَ اللهُ عزّ وجلّ في وصفِهم: "لا يعصونَ اللهَ ما أمرهُم ويفعلونَ ما يُؤمرونَ"
أثر الإيمان بالملائكة في حياة المسلم:-
لا شك أن للإيمان بالملائكة، آثار بالغة الأهميَّة في حياة المسلم، وفي ما يلي أهم هذه الآثار:-
1- تحقيق الإيمان ، فإن الإيمان لا يصح إلا بالإيمان بهم .
2- يزيد من استشعار القلب البشرى لعظمة القدرة الإلهية المعجزة التى تخلق من النور ملائكة ذوى أجنحة مثنى وثلاث ورباع، فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق.
3- يزيد من إيمان الإنسان بالوحى المنزل من عند الله لأن الوحى تحمله الملائكة إلى الأنبياء والرسل
4- يزيد من رغبة الإنسان فى التقرب إلى الله بالعبادة والعمل الصالح تشبهاً بالملائكة الذين لا يفترون عن عبادة الله
5-يملأ قلب الإنسان أنساً بهذا الكون الرحيب من حوله إذ يعلم أنه معمور بتلك الأرواح النورانية، وأنها تتنزل على المؤمنين بالسكينة والطمأنينة
6-الإقبال على عمل الحسنات والبعد عن عمل السيئات حين يستشعر الإنسان وجود الملكين اللذين يسجلان عليه أعماله
7-الانتباه إلى أن هذه الحياة الدنيا فانية لا تدوم، حين يتذكر ملك الموت المأمور بقبض الأرواح حين يتوفاها الله، ومن ثم فلا تستحق هذه الحياة الدنيا أن يشغل بها الإنسان عن الآخرة، ويكفيه منها المتاع الطيب الحلال الذى أباحه الله
8-عمل الحساب للآخرة حين يتذكر الإنسان ترحيب الملائكة بالمؤمنين فى الجنة وتعذيبهم للكفار فى النار، فيحب أن يكون ممن أنعم الله عليهم بجنته ورضوانه ووقاهم عذاب السموم
9 ـ الأمن والطمأنينة للمؤمنين عند تثبيت الله لهم بالملائكة.
10ـ محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادات على الوجه الأكمل واستغفارهم للمؤمنين .
11ـ شكر الله سبحانه وتعالى على عنايته بعباده ، حيث وكل بهم من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم وكتابة أعمالهم وغير ذلك من مصالحهم .
حكمة وجود الملائكة عليهم السلام والإيمان بهم:-
إن في وجود الملائكة والإيمان بهم حكماً متعددة منها:-
أولاً:- أن يعلم الإنسان سعة علم الله تعالى وعظم قدرته وبديع حكمته، وذلك أنه سبحانه خلق ملائكة كراماً لا يحصيهم الإنسان كثرة ولا يبلغهم قوة وأعطاهم قوة التشكل بأشكال مختلفة حسبما تقتضيه مناسبات الحال.
ثانياً:- الإيمان بالملائكة عليهم السلام هو ابتلاء للإنسان بالإيمان بمخلوقات غيبية عنه، وفي ذلك تسليم مطلق لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً:- أن يعلم الإنسان أن الله تعالى خلق ملائكة أنقياء أقوياء لكلٍ منهم له وظيفة بأمر من الله تعالى إظهاراً لسلطان ربوبيته وعظمة ملكه، وأنه الملك المليك الذي تصدر عنه الأوامر، من الوظائف التي أمروا بها: نفخ الروح في الأجنة ومراقبة أعمال البشر، والمحافظة عليها وقبض الأرواح وغير ذلك... .
رابعاً:- أن يعلم الإنسان ما يجب عليه تجاه مواقف الملائكة معه وعلاقة وظائفهم المتعلقة به، فيرعاها حق رعايتها ويعمل بمقتضاها وموجبها، مثال ذلك: أن الإنسان إذا علم أن عليه ملكاً رقيباً يراقبه وعتيداً حاضراً لا يتركه، متلقياً عنه ما يصدر منه، فعليه أن يحسن الإلقاء والإملاء لهذا الملك المتلقي عنه والمستملي عنه الذي يدون على الإنسان كتابه ويجمعه ثم يبسطه له يوم القيامة وينشره ليقرأه قال الله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14].
خامساً:- وقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يجعل ملائكة كراماً وسطاء سفرة بينه وبين أنبيائه ورسله عليهم السلام قال الله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِي} [النحل: 2].
وفي ذلك تنبيه إلى عظم النبوة والرسالة، ورفعة منزلة الشرائع الإلهية وشرف العلوم الربانية الموحاة إلى الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وإن شرائع الله تعالى مجيدة كريمة، لأن الذي شرعها هو العليم الحكيم الذي أحكم للناس أحكامها ووضع لهم نظامها على وجه يضمن مصالح العباد وسعادتهم وعزتهم الإنسانية وكرامتهم الآدمية، فالجدير بالشرائع الإلهية وحكمة أحكامها وبديع انتظامها أن تتنزل بها أشراف الملائكة وساداتها على أشراف الخليقة الإنسانية وساداتها ألا وهم الأنبياء عليهم السلام.
الإيمان بالجن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق